بسم الله الرحمن الرحيم
الحرص والطمع على الدنيا
عن كعب بن مالكٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: «ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنمٍ بأفسدَ لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه» وفي رواية: «ما ذئبان ضاريان جائعان في غنم افترقت أحدهما في أولها والآخر في آخرها بأسرعَ فسادًا من امرئٍ في دينه يحبُّ شرف الدنيا ومالها» [رواه أحمد: (16198)، الترمذي: (255)، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع: (5620)].
هذا مثلٌ عظيمٌ ضربه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبيان مدى الفساد الذي يلحق المسلمَ في دينه وإيمانه عندما يحرص على المال والشرف في الدنيا ويجعل من هذا الحرص هدفًا قائمًا بذاته يسعى لتحقيقه دون ضوابط ولا حدودٍ، وعنده سيلحق بدينه الهلاك المحقَّق وسيخسر آخرَته لينال عرضًا دنيويًّا زائلاً.
ولو تأمَّلْن دقَّة هذا المثل النبوي لعرفنا عظم المصيبة، فالذئبان الجائعان إذا أُرسل في قطيعٍ من الغنم وأحاطا به من جانبيه وقد غاب الراعي الحارس لذلك القطيع، فإنهما سيهلكانه ويفترسانه، ولن ينجوَ من الغنم إلاَّ القليل، وكذلك يعدُّ الحرص الفاجع من أصحاب الدنيا لبلوغ الشهوة وجمع الأموال دون رقابةٍ أو وازعٍ إيمانيٍّ أكثر إفسادًا لدين المسلم من إفساد الذئبين الجائعين.
وهكذا يظهر خطر انحراف الشهوات عن طريقها، وتحوُّلها إلى مرضٍ يفتك بالنفس ويحيل الإنسان إلى حيوانٍ كاسرٍ، شغله الشاغل أن يرضيَ أهواءه ولو على حساب إيذاء الآخرين وظلمهم.
ولا شكَّ أن الذي يجعل الآخرة نصب عينيه فإنه يسعى دائمًا لتسخير هذه الشهوات في مرضاة ربِّه عزَّ وجلَّ، وأمَّا من تعلَّقت نفسه بالدنيا وامتلأ قلبه بحبِّه فإنه سيجعل من شهواته هدفًا ومقصدًا حتى يكون عبدًا لها، وعندها سيحرص عليها، ويلهث وراءها بكلِّ ما أوتي من قوَّةٍ، ويبيع دينه بعرضٍ من أعراضه الزائلة.
[راجع: شرح حديث ما ذئبان جائعان لابن رجب الحنبلي]